mardi 27 mars 2012

من علماء زاوية حمادوش الشيخ المنور مليزي :


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ المنور مليزي
:

مولده:

الشيخ المنوربن أحمد بن المسعود مليزي من أولاد بن القاضي ولد سنة 1870 بقرية واد الذهب.

دراسته :

حفظ القرآن في موطنه, ثم سافر إلى بلاد القبائل حيث الزوايا العريقة العامرة بشيوخ العلم ،واستقر به المقام بزاوية بني يعلى فأخذ عن شيوخها ماتيسر له من علوم الفقه واللغة العربية، ومنها انتقل إلى زاوية قجالفأخذ عن الشيخ الصديق جمادوش ، ثم سافر إلى تونس ليواصل تحصيله العلمي بجامعة الزيتونة .

زاوية الشيخ المنور :

كان الشيخ المنور من أبرز طلبة الشيخ الصديق العاملين الذين ارتفعوا إلى مستوى الوعي بدورهم في هذه المرحلة التي كانت تمربها الجزائر يومئذ ، فانفتح على قضايا منطقته وأنشأ بها زاوية للتعليم القرآني والفقه واللغة ،وتولى تعليم الطلبة بنفسه والإنفاق عليهم من موارده الفلاحية الخاصة. تخرج على يده العديد من الطلبة نذكرمنهم الشيخ صالح عبد العزيز الملقب بالمفتي ، والشيخ عمار بوشول، والشيخين إبراهيم مليزي وبوزيد مليزي والشيخ لوصيف وغيرهم .

الشيخ المنور من رجال الإصلاح :

لم يتوقف عمل الشيخ المنورعند التعليم وإنما اهتم بقضايا المجتمع وحاجات الناس؛ فكان كما تحدثت عنه شهادات معاصريه رجلا صالحا مصلحا تقيا ورعا، وكانت له علاقة وطيدة بجمعية العلماء المسلمين يساعدهم ماديا ومعنويا ويقوم بالنشاطات الدعوية بنفسه؛ فيعظ الناس ويرشدهم في أفراحهم وأتراحهم ويعلم الناس أحكام دينهم ، ويعقد لهم عقود نكاحهم وبيعهم وكرائهم ويصلح ذات بينهم ويشاركهم في السراء والضراء ،فكان بذلك نعم الشيخ القومه .

وفاته :

في سنة 1941 انتقل الشيخ لمنور مليزي إلى رحمة. وترك مكتبة عظيمة احتوت مخطوطات نادرة لم يسبق طبعها، رآها الشهيد عبد الحميد حمادوش فأكد لأبنائه أهميتها، ونصحهم بالمحافظة عليها ، ولكنها تعرضت للحرق أثناء الثورة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي أشعل النار في بيت الشيخ المنور فأتت على كل ما فيه .

صاهر الشيخ المنور الشيخ الطيب حمادوش فتزوج بنتا من بناته أنجب منها بنتا وثلاث بنين كان منهم الشهيد عبد الرزاق مليزي .

=======================================

العلامة الشيخ المختار بن الشيخ


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ المختار بن الشيخ


( 1943-1872 )


نسبه :

الشيخ المختار بن الطيب بن عبد الوهاب بن المسعود الملقب بابن الشيخ , والدته السيدة خديجة بنت الشيخ الطاهر بن حمادوش، وخاله الشيخ الصديق حمادوش .

مولده ونشأته
:


ولد الشيخ المختارسنة 1872 بقرية أولاد سيدي مسعود التي تقع شمال بلدية معاوية وتبعد عنها ببضعة كيلومترات وهي إحدى بلديات دائرة بني عزيز، حفظ القرآن في جامع القرية على يد والده, ثم انتقل رفقة والدته وأخيه محمد الشريف إلى قرية قجال ذات الطبيعة الخلابة يومئذ حيث كانت مترعة بالخصب والخضرة ومياه الينابيع والوادي والأشجارالمثمرة ، استقر به المقام في بيت خاله الشيخ الصديق وعاش أجواء الزاوية بين أحضان طلبة القرآن وشوخ العلم .

دراسته :


الشيخ المختار بن الشيخ هوأحد تلامذة زاوية قجال المشهود لهم بالعلم .أخذ عن خاله الشيخ الصديق علوم اللغة والفقه حتى تمكن منهما وملك زمام الكفاءة في التدريس ،انتقل بعد ذلك إلى تونس الخضراء . ليستكمل دراسته بجامع الزيتونة فمكث بها بضع سنوات متعلما حتى نال الشهادة العليا فيها ، وأعطى دروسا بجامعها .

رحلته إلى بيت الله
:


روى لنا حفيده الشيخ الطيب أن الشيخ المختار حج مرتين راجلا وثالثة راكبا، وعند مروره بمصر طاب له المقام بالأزهر الشريف حاضرة العلم والعلماء ،حيث يمكنه إشباع فضوله العلمي والمعرفي , ولكن يبدو من الروايةالمنقولة عن بعض أحفاده أن شدة شيخنا الفاضل في الحق واندفاعه المعروف به في إظهار الحقيقة مع أي كان لم تترك له الفرصة للبقاء طويلا بمصر حيث تعرض للمضايقة , وقيل تعرض للسجن بسبب انتقادات وجهها لشيخ من شيوخ الأزهر .

فقهه
:


كان الشيخ المختار رحمه الله حجة في علوم الفقه واللغة،وكان شديدالالتزام بالمذهب المالكي وكان يقول: من لم يكن له مذهب فليتخذ مذهبا وإلا ذهب ؛ فإن مثل المذاهب في الإسلام كمثل شجرة لها جذع تفرعت منه أغصان ومن الأغصان تفرعت أغصان وأوراق وهكذا فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الجذع الذي تفرع منه الصحابة الكرام ومن الصحابة تفرع التابعون وتابعو التابعين والأئمة ورجال الفقه إلى يوم الناس، فكما لايمكن بأي حال من الأحوال لورقة من الشجرة أن تنفصل عن كل تلك الغصون التي تربطها بجذع الشجرة وتدعي أنها تريد أخذ غذائها من الشجرة مباشرة، ولو فعلت لماتت في الحال. فكذلك لا يمكن لأحد اليوم أن يتجاوزكل المذاهب ويدعي أنه إنما يأخذ عن رسول الله مباشرة،فمثله كمثل تلك الورقة التي ما تلبث أن تتقاذفها الرياح وتهوي بها في مكان سحيق . كان رحمه الله يسوق هذه الأمثلة الحية والحجج العقلية المفحمة انتصارا للمذهب المالكي خاصة في لقاءاته التي كانت تجمعه مع جمعية العلماء التي كانت وهابية الهوى ،وقيل أنه نشر بعض تلك الحوارات والسجالات في صحيفة النجاح والبصائر
ومن أطرف ما يُروى عنه أن أحد المغرضين نقل للشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- وشاية مفادها أن الشيخ المختار يتعرض له في جلساته بالسوء ويدعوه بن"باليس" فكتب إليه الشيخ بن باديس يستنكر منه ذلك .فرد عليه الشيخ المختار مبرئا ذمته من هذا القول الشنيع والافتراء المقيت ومن جملة ما جاء في رسالته له: وهل يمكن أيها العلامة الجليل والشيخ الفاضل والمصلح الكبير لمن يصلي ويسلم على عباد الله الصالحين –وأحسبك منهم ولا أزكي على الله أحدا
- في كل صلاة أن يصدر منه مثل هذا القول السوء ؟ .


أعماله
:


علَّم الشيخ المختار في العديد من الزوايا المنتشرة في شمال سطيف ،وأنشأ زاوية في قرية معاوية وعلم بها سبع سنوات ( 1911/ 1917 ). ولم يغادرها حتى ترك فيها أثرا عظيما.تجلى في إقبال الشباب بصفة خاصة على طلب العلم ومعرفة الأحكام الشرعية وتعلم اللغة العربية التي حرموا منها طويلا .
وتعرض في قرية معاوية لمكيدة دبرها له أحد الحاقدين عليه، فترك القرية التي ولد فيها ورحل إلى قجالواشترى بيتا بقرية رمادة بقي فيها سنوات عدة معلما ومصلحا اجتماعيا ،ثم باع البيت ورحل هذه المرة إلى قرية تاجرة ليكون بالقرب من زاوية أخواله بقجال التي عاد إليها هذه المرة نهائيا ليواصل أداء دوره العلمي والشرعي بها حتى وافاه الأجل سنة 1943 . ودفن بمقبرة قجال. رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا ببركته .


تلاميذه :


أخذ عن الشيخ المختار كثير من طلبة العلم الشرعي، نذكر منهم أبناء الشيخ الطيب حمادوش :الشيوخ عبد الرحمن والطاهر وعبد الله والشهيد عبد الحميد، والشيخ القريشي مدني وصالح محتالي والشيخ محمد خلفي والشيخين الزروق والصديق من أولاد سعيد والشيخ صالح من أولاد بوجلوف وغيرهم .


=================================

الشيخ أبو عبد الله محمد بن صالح جد عائلة حمادوش


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ أبو عبد الله محمد بن صالح
جد عائلة حمادوش

التعريف بنسبه
:

الشيخ محمد بن الشيخ صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله بن حسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام .ألقابه: يلقب بأبي عبد الله ، وسيدي عبد الله ، .


عصره
:


كان الشيخ أبو عبد الله من شيوخ وعلماء القرن العاشر الهجري ،السادس عشر الميلادي الذي شهد آخر عهود دولتي نبي حفص وبني مرين وبداية العهد العثماني في المغرب العربي، ورغم ما اتسمت به تلك الفترة من غزو صليبي إسباني على المدن الساحلية الجزائرية،امتد إلى طرابلس بليبيا شرقا إلى سبته ومليلة بالمغرب اللتين مازالتا محتلتين إلى الآن. مما جعل الجزائر خاصة وبلاد المغرب عموما تعيش حالة عدم استقرار وأوضاع سياسية واقتصادية متأزمة ومتدهورة إلى درجة كبيرة ، ولكن رغم ذلك فقد ظهرت فيها نهضة دينية وعلمية وثقافية في غرب البلاد وشرقها، حمل لواءها رجال من أمثال الشيخ الأخضري، والشيخ الخروبي، والشيخ الوزان، والشيخ بن موسى الوجد وغيرهم ، ولم تكن زاوية قجال بمعزل عن هذه النهضة الدينية العلمية ورجالها،فقد كان يتردد عليها العلماء والشيوخ والطلبة وكانت إحدى محطات الشيخ عبد الرحمن الأخضري في ترحاله للتعبد والتبرك والتأليف والتعليم أيضا. وكان على رأس زاويتها حينئذ الشيخ أبو عبد الله محمد الذي تم تنصيبه مشرفا على الزاوية وأوقافها وأحبا سها في أواسط شهر شوال من سنة 931 هـجرية الموافق لسنة 1525 ميلادية بعقد موقع من قبل الإمام المجاهد القاضي أبي العباس أحمد بن محمد حسب ما جاء العقد.

أخلاقه :


كان الشيخ أبو عبد الله محمد بن الشيخ صالح شابا ورث عن آبائه وأجداده من الأخلاق أسماها وأكرمها ومن البصيرة والعقل ما جعله سيد أهل زمانه، ومن الخير والكرم ما جعله مضرب المثل، وكان العابد العارف بالله تعالى المتبرك به، وكان العالم العامل الذي جعل من زاوية قجال مقصدا لطلبة العلم ومرجعا دينيا ، واجتماعيا ، يسعى إليها العلماء والمتعلمون ، والمصلحون وطالبو الصلح،و يلجأ إليها اليتيم وذو الحاجة وعابر والسبيل .


أعماله
:


جدد بناء مسجد الزاوية وبيت الطلبة ،وبيت الزوار والضيوف .وكان منها يشرف على أوقاف الزاوية التي توسعت في زمنه كثيرا .


----------------------------------------------------
المراجع : عقد التنصيب – كتاب لب التاريخ – تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله

الشيخ الطاهر بن حمادوش


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ الطاهر بن حماد وش


نسبه :

هو الشيخ الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن حمادوش .


المولد والنشأة :

ولد الشيخ الطاهر بقجال وترعرع في أجوائها بين واديها الخصيب وينابيعها ذات المياه العذبة الزلال وبساتينها بأشجارها المتنوعة الثمار وحقولها الواسعة التي ظلت خضراء معطاء متاعا للإنسان والحيوان إلى ما بعد الاستقلال .

هجرته لطلب العلم :

تربى على يد والده فحفظ القرآن وأخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية في زاو يتهم ،ثم انتقل إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق، فأخذ عن شيوخها لسنوات ،ومنها شد الرحال إلى مستغانم التي كان له فيها أقارب وأبناء عمومة فقضى فيها عدة سنوات متتلمذا على شيوخها .لقد كانت تلك عادة بيوتات القرآن والعلم والولاية يرسلون أبناءهم بعيدا عن مسقط الرأس من أجل التحصيل العلمي وتعويدهم علي السعي والترحال وتمكينهم من الاتصال بغيرهم والانفتاح على عوالم أخرى من الناس وعاداتهم لصقل تجربتهم وإثراء معلوماتهم ومعالجة نقائصهم واستكمال شخصيتهم المعنوية والسلوكية تأهيلا لهم لأداء دورهم الرسالي المستقبلي في التعليم والتوجيه .

الشيخ الطاهر قبل الاحتلال الفرنسي :المعلم والمصلح الاجتماعي
.

عاش الشيخ الطاهر ظروف ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر على نهج آبائه وأجداده في الإشراف على الزاوية تعليما وتسييرا ، وفي القيام بدوره الاجتماعي المتمثل في قضاء حاجات الناس وتوثيق عقودهم وإ صلاح ذات بينهم .
كان للشيخ الطاهر مجلس خاص يتكون من أعيان المنطقة، وشيوخ العلم ، وطلبة الزاوية ، يجتمع دوريا وكلما دعت الضرورة للفصل في منازعة أو إصلاح ذات البين أو عقد نكاح أو عقد هبة .. الخ وقد ذكر في إحدى وثائقه أعضاء هذا المجلس وهم: سيدي أحمد السخري البنشا- وسيدي محمد منه - وسيدي بلقاسم الزايدي - وسيدي سليمان الزايدي- وسيدي محمد الطاهر بن الصيد- وسي محمد الصيد -وسي حمدان ولد سي محمد بن الحاج الذويب -وسي محمد السعيد بن سي محمد بن حمدان - وسيدي أحمد المعاوي - وسيدي محمد بن عمر بن اسباع - وسيدي محمد المعمري بن المبارك بن عباس - وسيدي بلقاسم منه .

الاحتلال الفرنسي يعاقب الزوايا بتجريدها من أوقافها :


عاش الشيخ الطاهر أيضا ظروف الاحتلال الفرنسي، وما تبعه من ممارسات تعسفية خبيثة حاقدة ضد كل مقومات الشعب الجزائري الدينية والثقافية والاجتماعية ،فكان بداية مكره أن توجه إلى الزوايا لتجريد ها من أو قافها التي تمثل بالنسبة إليها عصب الحياة ومدد البقاء.

كان لزاوية قجال أوقاف كثيرة كباقي الزوايا، انتزعتها الإدارة الفرنسية من أصحابها الشرعيين رغم أنها أملاك وقفية لا يجوز المساس بها في كل القوانين والشرائع والأعراف البشرية، ولكن الاستعمار الفرنسي كان تعتبر الجزائر غابة وحوش بشرية يجب أن تُحكم بقانون الغاب. ثم إن هذه الزوايا والجوامع والكتاتيب التي تسير بأموال الوقف هي التي ترفع عن الأمة غوائل الجهل وغشا وات الكفر، وهي التي تمدها بمقومات شخصيتها وعناصر هويتها وفيها يتكون رجال الأمة ، ومنها يتخرج علماؤها و ينطلق قادة الجهاد وجنود الوغى فهل يرضى الاستعمار الفرنسي على هذه الزوايا والجوامع ويتركها لحالها وهو الذي يعلن أن الجزائر جزء من فرنسا ويستبطن من وراء كل مخططاته ومشاريعه و ممارساته في أرض الواقع طمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي في الجزائر.


ال
شيخ الطاهر يشارك في المقاومة :


لقد كتب على الشيخ الطاهر أن يعيش كل هذه الأحداث المأسوية لزاوية الآباء والأجداد؛ إنها تسلب وتنهب و تجرد من أراضيها كسائر الزوايا عبر الوطن أمام عينيه، فكيف يهنأ له بال أو ترتاح له نفس أو يطيب له عيش ؟ لقد كان ذلك مما أوقد في نفسه روح الجهاد والمقاومة، لرد كيد هذا العدو اللدود ، الذي لم يكتف باحتلال الأرض ونهب خيرات البلاد وإنما أراد إبادة أهلها واقتلاع جذورهم منها نهائيا كما فعل سابقوهم الأوروبيون المهاجرون إلى أمريكا بسكانها الأصليين الهنود الحمر. روى لنا الشيخ عبد الرحمن ، عن أبيه الشيخ الطيب عن أبيه الشيخ الصديق رحمهم الله جميعا أن الشيخ الطاهر شارك في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي وقد أصيبت رجله أثناء معركة مع العدو قرب الجزائر العاصمة ، وكانت جروحه دامية فعجز عن السير وبقي هناك بلا إسعاف حتى تعفن جرحه، وأصابه الدود، ولكن العناية الإلهية أنقذته ؛ حيث عثر عليه أحد رفاق السلاح الناجين فقدم له الإسعافات اللازمة، وأودعه عند أحد سكان المنطقة ، فلما برئ جرحه وعادت إليه عافيته رجع إلى بيته بقجال. أما عن المقاومة التي شارك فيها الشيخ الطاهر،فقد طرحت السؤال على حفيده الشيخ عبد الرحمن عنها عن اسمها،ومكانها وتاريخها وقيادتها ،فقال لي : كنا صغارا حين سمعنا عن جهاد جدنا الشيخ الطاهر ولم يعلق بذاكرتي إلا ما أصابه فيها وموقعها قرب العاصمة .

إن مشاركة الشيخ الطاهر في المقاومة مؤكدة ،ويمكن أن تكون بصفة فردية ،شأنه في ذلك شأن كثير من إخوان الطريقة الرحمانية الذين كانت قناعتهم بالجهاد- الذي أصبح فرض عين على كل مسلم من اللحظة التي وطئت أقدام الاستعمار أرض الوطن – تدفعهم إلى شد الرحال إلى ميادين القتال أين ما كانت.
ومن المحتمل أن تكون مشاركته مع الشيخ محمد بن الحداد في ثورة سنة1971 بحكم انتمائه لطريقتها وتتلمذه على يدي شيوخها،،وهناك رواية ثالثة عن أحد أحفاده أيضا؛ أنه انخرط في جيش الأمير عبد القادر .

وفاته ومدفنه
:


بقي الشيخ الطاهر في بيته بقجال يعاني من تبعات وتداعيات ما أصابه في الحرب مختفيا عن أنظار الاستعمار وأعوانه إلى أن وافاه الأجل ،فدفنه ابنه الشيخ الصديق. وقبره يتوسط أباه الشيخ محمد وابنه الشيخ الصديق بمقبرة قجال

------------------------------------------------------
المراجع : وثائق الزاوية
– كتاب محمد المقراني للعسيلي -
- روايات الشيخين عبد الرحمن وعبد العزيز وهما من أحفاد الشيخ الطاهر.


===================================

العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين



العلامة الشيخ الصديق حمادوش


مقدمة :

الجزائر في مواجهة تداعيات الاحتلال الفرنسي :

الحديث عن العلامة الشيخ الصديق بن حمادوش هو حديث عن جيل من الجزائريين الذين تحملوا مسؤولية الممانعة الثقافية في ظروف غزو استعماري بغيض يريد محو أمة من الوجود وذلك باستئصال كل علاقة لها بماضيها بكل أركانه ومقوماته .

فما أعظم ما حُمِّل ذلك الجيل الذي وجد نفسه في مواجهة جبهات متعددة مفتوحة على خطوب جسيمة وأخطارمحدقة بمستقبل الأمة ومصيرها !.

لقد فتحت فرنسا الحرب على الجزائريين بالتقتيل والإبادة لكل فعل مقاوم، وبالتشريد والترحيل والتمزيق لكل عرش من العروش، وبالإذلال والقهر لكل مسالم أعزل، وبالتجويع والتجهيل لكل مواطن شريف، وبالتهديم والتشويه لكل معلم من معالم ديننا وحضارتنا وتاريخنا، وبالحصار لكل عمل تعليمي أو ديني. إنها الحرب الشاملة التي فرضتها فرنسا على الجزائر والجزائريين .فما العمل وما الوسيلة ؟
من رحم هذه الأحداث ولدت أجيال للرفض والمقاومة بكل أنواعها المسلحة والسلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية التعليمية. وكان جيل المقاومة والممانعة الثقافية في مقدمها الذي تحصن بالزوايا والجوامع وحمل سلاح الكلمة والقلم لمواجهة الغزو الثقافي الاستعماري ،ومن هذا الجيل كان الشيخ الصديق حمادوش رحمه الله .



نسبه :

هوالشيخ الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن احمدوش , ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .


مولد ه:

نستطيع أن نأخذ تاريخ ميلاد الشيخ الصديق من رخصة طلب فيها كمية من البرود من الإدارة الفرنسية مؤرخة في 1874/03/16 وكتب في خانة المعلومات : عمره أربعون سنة. فإذا قمنا بعملية طرح أربعين سنة من أربع وسبعين سنة ،يكون مولده سنة 1834م
نشأته وتعلمه :
ولد الشيخ الصديق بقرية قجال وحفظ القرآن على يد والده الشيخ الطاهر وأخذ عنه مبادئ اللغة العربية والفقه. انتقل بعد ذلك إلى العديد من زوايا الطريقة الرحمانية بالحامــــة والسوالم ثم قسنطينة.




إجازته :


أخذ الشيخ الصديق عن شيخه بن عبد الكريم السلامي الشافعي الإجازة في التربية والتعليم،على الطريقة الرحمانية الحفناوية البكرية الخلوتية التي شهد له فيها بالكفاءة العلمية والروحية وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد من العلماء والمشايخ والأعيان وعامة الناس .

إدراك الشيخ الصديق للمرحلة ، وتحديد دوره:

ما إن أدرك الشيخ الصديق ظروف البلاد الجديدة التي فرضتها السياسة الاستعمارية حتى حدد لنفسه دوره في المواجهة وربما كان ذلك بتوجيه من أبيه أو بتوجيه من الشيوخ الذين تتلمذ عليهم . فلئن سلبت الأمة السيادة في الوطن, فلا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تسلب دينها ولغتها ولذلك كان عليه أن يتخندق في جبهة الممانعة والمقاومة الثقافية التعليمية التي تحفظ للأمة قرآنها وشريعتها ولغتها تحصينا لها من الذوبان والاضمحلال إلى أن يأتي الله بدور جديد تأخذ فيه الأمة مسؤوليتها في تحرير الوطن السليب .
ولكن ما العمل ؟وقد صادرت الإدارة الاستعمارية أغلب أراضه الخاصة بسبب انخراط والده في المقاومة المسلحة ، والأملاك الوقفية للزاوية قد صادرتهاالإدارة الاستعمارية الفرنسية من قبل بموجب القوانين الاغتصابية الظالمة التي قضت بتحويل كل الأملاك الوقفية في الجزائر إلى"الدومان". وبلغ الحصار الاستعماري مداه بالهيمنة على المساجد والزوايا التي أراد أن لاتتحرك إلا في الإطار الذي يخدم مصالح الاستعمار وأهدافه .


استئناف الزاوية لرسالتها التربوية التعليمية :


في البداية سعى الشيخ الصديق للحصول على ترخيص من المجلس العلمي بسطيف الذي وضعت الإدارة الاستعمارية الفرنسية يدها عليه بظاهر تنظيم وضبط العمل في المؤسسات الدينية والإشراف على المساجد ولكن القصد كان الهيمنة على المساجد والزوايا من أجل محاصرتها وتحجيم دورها إلى أقصى حد ممكن للقضاء عليها نهائيا ،لأنها كانت ومازالت حصونا منيعة لرجال المقاومة والجهاد والممانعة الثقافية .
واستأنفت الزاوية العتيدة رسالتها العلمية من جديد ، وباشر الشيخ الصديق العمل فيها بنفسه وكان عمره إذاك لا يتجاوز الثالثة والعشرين سنة وتوافد على الزاوية طلبة العلم ، وحفظة القرآن الكريم من كل صوب وحدب .


الإنفاق على طلبة العلم :

كان الشيخ الصديق ينفق على الطلبة من عائداته الفلاحية ، فلم يكن يقبل من الناس الصدقات ولا أموال الزكاة ولا التبرعات . ولما توسعت نفقات الزاوية حاول أن يستعيد بعضا من أراضيه المصادرة من قبل الإدارة الاستعمارية ، فراسل كلا من نائب عامل العمالة بسطيف والحاكم العام بالجزائر طالبا استعادة أرضه الفلاحية الخاصة التي كانت تقدر حوالي مئة وعشرين هكتارا بعضها في يد الفرنسيين والبعض الآخر كان تحت يد القايد الذوادي كما ذكر في رسالتيه اللتين بعث بإحداهما إلى الحاكم العام في الجزائر والثانية بعث بها إلى "السوبريفي " بسطيف .

الشيخ الصديق قاضيا :

اشتغل الشيخ الصديق بالإضافة إلى التدريس في الزاوية قاضيا للشريعة الإسلامية في محكمة سطيف من سنة 1862م إلى سنة 1882م .


الشيخ الصديق يتفرغ للتدريس :


بعد ذلك الشيخ الصديق للتدريس بالزاوية ،وقد كللت جهوده بالنجاح الباهر ، فتخرج علي يده ما يقرب من أربعين طالب علم وقيل ستين . نذكر منهم :
الشيخ المختار بن الشيخ وأخاه أحمد الشريف - والشيخ المنور مليزي – والشيخ الطيب قرور- والشيخ محمد الشريف بن علي إدريسي - والشيخين الأخويين أحمد بن حافظ ، والمختار بن حافظ- والشيخ عبد الرحمن رحماني - والشيخ علي بن الحامدي - والشيخ موسى بن مروش – والشيخ الميهوب بن إدريس – والشيخ الأخضر بن إدريس – والشيخ صالح عبد العزيز- والشيخ خلفي بوزيد وغيرهم ، وقد كان لهؤلاء الطلبة بعد تخرجهم دور كبير في نشر الثقافة العربية والعلوم الفقهية بين أبناء الوطن من خلال الزوايا والمساجد والكتاتيب والمدارس التي تم فتحها على أيديهم أو تم توظيفهم فيها أئمة ، كما اشتغل بعضهم قضاة في المحاكم الشرعية ،وبعضهم سافر لأتمام دراسته بقسنطينة أو بجامع الزيتونة بتونس أو بالجامع الأزهر بالقاهرة .


فضائل الشيخ الصديق:


تميز الشيخ الصديق رحمه الله بشخصية ذات ورع شديد، وتقى منقطع النظير، ورجاحة في العقل،وعمل دؤوب، وحذر من مضلات الفتن ومعرفة بالناس ،وزاده الله إلى ذلك غزارة في العلم ونورا في الفهم وزينة في الخلق ورأفة في القلب .

اهتمامه بالعلم :


لم تكن اهتمامات الشيخ الصديق العلمية قاصرة على الفقه والأحكام ،وعلوم النحو والبلاغة فقط بل كان له اهتمام بعلوم المنطق والحساب والفلك والنجوم والتصوف.ونظرا لندرة الكتاب في ذلك الوقت كان الشيخ الموهوب زروق ينسخ له الكتب التي يحتاجها كما كان يطلب نسخ الكتب النادرة من بعض طلبته وقد عثرنا فيما بقي من كتبه على العديد من الكتب المنسوخة منها كتاب في المنطق وكتاب في الفلك وكتاب في علم النجوم وأوراق في الاستعارة ومنظومتان في التصوف للشيخ عبد الرحمن الأخضري .

كان للشيح الصديق مكتبة زاخرة,وكانت كتب العلم عنده أعزعليه من ماله وولده ، وهو على فراش الموت كان ينظر إلى مكتبته فتسقط دموعه لاحظ عليه ذلك وحيده الشيخ الطيب وكان شابا في مقتبل العمر فظنه يبكي حزنا على تركه وحيدا في جوار لايرحم ،فقال له : لاتحزن ياأبي ،أنا على ثقة أن الله يحرسنا من بعدك.فنظر الشيخ الصديق إلي كتبه وقال : ياولدي إنما أبكي على هذه الكتب من لها بعدي ؟.


تعظيمه لشعائر الله :


عرف الشيخ الصديق بتعظمه لشعائر الله وحدوده ، والتزامه بالسنة النبوية وتورعه عن الشبهات ؛ روى أكثر من واحد أنه كان يرفض رفضا قاطعا ما ينتشر في بعض الزوايا من بدع وحضرة ووعدات وتجمعات تسيئ إلى الدين أكثر مما تحافظ عليه ، كما كان ينكر على الذين يعلنون في الناس الكرمات –التي يكرم الله بها بعض عباده الصالحين- لاستمالة قلوب العامة والبسطاء منهم . وكان يتقدم الفلاحين الذين يكلفهم بفلاحة أرضه ويشاركهم في العمل فإذا حضرت الصلاة أوقف العمل وأقام الصلاة تعظيما لعماد الدين وركنه الركين التي من أقامها أقام الدين كله ومن تركها ترك الدين كله .

وكان شديد الحذر من الفتن، يفر منها ومن أ هلها فراره من الأسد الضاري . وقعت فتنة بين عرشين أشعلتها أيادي فرنسا الخفية، وحاولت أطراف من الفريقين أن تزج به في الصراع، فرحل عن قرية قجال مع عائلته نائيا بنفسه عن الصراع وتوجه إلى أرضه "بوغنجة" بأولاد صابر حيث نصب هناك خيمة وأقام بها، فلما انتهت الفتنة عاد إلى قجال ويقال أن ابنه الطيب ولد هناك .

صوفية الشيخ الصديق:


ولم تؤثر هذه الروح الصوفية عند الشيخ الصديق رحمه الله سلبا على حياته فتصرفه عن أعماله الدنيوية ونشاطاته الاجتماعية ،أو تدفعه إلى التواكل والانعزال بل كان يمارس حياته العملية بنفسه دون الإخلال بنشاط على حساب الآخر؛ فهو المعلم في المسجد مع الطلبة، وهو الفلاح في الحقل مع الفلاحين، وهو المتسوق في السوق لاقتناء حاجاته وهو الإنسان المتواضع للناس الساعي في قضاء حاجة المحتاج والتنفيس عن المكروب وإصلاح ذات البين . وقد حفظ عنه أحفاده قوله :" كن مع الله صادقا مخلصا له الدين ، وكن مع عباده متواضعا لهم مداريا لهفواتهم ."

وصيته:

أدى الشيخ الصديق مناسك الحج رفقة ابن أخته الشيخ المختار بن الشيخ والشيخ عبد الرحمن رحماني .وقد ألم به مرض خطير أدرك من خلاله قرب أجله ،ولم يكن له من الأبناء الذكور الذين يعتمد عليهم بعد وفاته إلا ابنه الطيب الذي مازال في ريعان الشباب ولم يتخط بعد العقد الثاني من عمره ، فأودع وصيته على ابنه والزاوية للشيخ الدراجي العيادي الذي قام بعده بالتعليم في الزاوية ،وكان نعم الوصي والمرشد لولده.
روى لي الشيخ رابح عيادي أن الشيخ الدراجي كان حريصا على مرافقة الشاب الطيب في كل شؤونه. وفي ليلة زفافه أخذ الشيخ الدراجي ينتظر خروجه للصلاة بالناس بقلق شديد، فلما أذن المؤذن للفجر خرج العريس في ليلته من بيته وأمَّ الناس للصلاة .عند ذلك فرح الشيخ الدراجي واطمأنت نفسه وعلم أنه أدى الوصية على أكمل وجه ،لأن المحافظة على الصلاة وخاصة صلاة الصبح في وقتها هي العنوان الأبرز في اكتمال الشخصية الإيمانية لدى المؤمن ،فإذا أضفنا لها إمامة الناس وفي أشد الظروف حساسية يكون الشيخ الطيب قد أصبح مؤهلا لخلافة والده في البيت والزاوية عن جدارة.

قصة لقب حمادوش:


كان لقب الشيخ الصديق العائلي"بن إدريس" ورد ذلك في عدة وثائق. وقيل لظروف خاصة اختار لقب "حمادوش" نسبة إلى جده الرابع حمادوش حسب ما جاء في كتاب حفيده الشيخ محمد الصديق الذي ذكر فيه سلسلة أجداده. وقد ورد أيضا اسم "حماد وش" في كتاب نسخه الشيخ الزادي وأهداه إلى الشيخ الصديق. ونص الإهداء كما يلي :" نسخته لأخي في الله وشيخي سيدي الصديق بن سيدي إدريس الملقب بحماد وش ،جده سيدي علي حمادوش المكناسي أهلا، الحسني جدا، من أبناء سيدنا الحسن بن فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" .

ومن هو سيدي علي بن حمادوش المكناسي هذا ؟ هل هو صاحب المقام المعروف بزاوية الحمادشة الواقعة على مسافة 20كم من مدينة مكناس بالمغرب الأقصى الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي ؟ تروي عائلتنا أن سيدي علي بن حمادوش وكان الوحيد الذي بقي من أفراد عائلته التي تعرضت للاغتيال بالسم من طرف أعداء لهم ،فحملته والدته رضيعا وقيل جنبنا إلى أخواله "عائلة بوجملين ببلاد القبائل " الذين أطلقوا عليه لقب حمادوش ،ثم عاد إلى قجال في حماية رجل عالم ، وتزوج وأنجب ولدا سماه الصالح. فلما بلغ معه السعي تركه في قجال ورحل مهاجرا في أرض الله الواسعة . ( يحتاج الأمر إلى تحقيق لتأكيد ما إذا كان سيدي علي بن حماد وش هو صاحب المقام بالقرب من مكناس).


وفاته :


توفي الشيخ الصديق في اليوم الخامس من شهر سبتمبر سنة 1893 م ودفن بجنب والده الشيخ الطاهر وجده الشيخ محمد بمقبرة قجال وقد ترك من البنين ولدا واحدا وبنتين رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .

آثار الشيخ الصديق :


لم يترك الشيخ الصديق مؤلفات رغم أنه كان يعرف بالعالم الأديب ،إلا أننا عثرنا في أوراقه الخاصة على مجموعة من الأدعية والأوراد من ضمنها قصيدة في الشعر الصوفي الجميل وقصيدة أخرى في مدحه،ومدح الشيخ الموهوب زروق.

جل الله ربي:

يقـــول جل اللــــه ربي: أنا المقصود ،لا تطلب سواي
تجدني أين تطلبني ،عبدي وإن تطلب سواي ،لا تجدني
تجدني في سواد الليل ،عبدي قريبا منك ، فاطلبني تجدني
تجدني في سجودك لي ، قريبا كثيرالخير، فاطلبني تجدني
تجدني حين تدعوني ،مجيبا أنا الحنان، فاطلبني تجدني
تجد ني ،غافرا برا رؤوفا عظيم العفو، فاطلبي تجدني
تجدني ،مستغاثا بي، مغيثـا أنا الوهاب، فاطلبني تجدني
أتذكر ليلة ناديت فيها ألم أسمعك ، فاطلبني تجدني
وقد بارزتني بالذنب جهرا فلم أكشفك، فاطلبني تجدني
وكم قد رام ضرك من عدو فلم أخذلك، فاطلبني تجدني
إذا اللهفان نادني كظيما أقل لبيك، فاطلبني تجدني
إذا المضطر قال : ألا تراني نظرت إليه، فاطلبني تجدني
وأية عثرة لك لم أقلها فلم نضررك فاطلبني تجدني
إذا عبدي عصاني لم يجدني سريع الأخذ ، فاطلبني تجدني

قصيدة في مدح الشيخين الصديق حمادوش والموهوب زروق
للشاعر محمد بن علي بن أحمد الملقب بابن دعاس الريفي

خليفة الشيخ لاتسلني فإننـــــــي
على الباب واقف متطفـــــــــل
فنطلب منكم الفوز ياعلم الورى
بإرشاد للخيرات وانفكاك القفل
عن القلب يضحى زايلا عنه ذا العمى
فينكشف الغطاء وتنفرج الأحــــــوال
إمام حؤز للفضائل كلـــــها
بإحيائه للسنة وانخذال الجهــــل
أنارت به الشريعة، سيِّــــــدٌ
قد فاز على الأقران علم وعمـل
فبالشرف الرفيع قد شاع ذ كـــــره
فحوَّله الثناء بما هو حاصــــــــــل
فشيخ من الكمَّال نوره زائـــــــــــد
كمثل الهـــلال فاق عنــــــه وأجمـل
فليس له مثيل في عصرنا وما
حذاه من الأعصار بالعلم عامـــل
فقد رغم الحسود أنفـه بالــذي
قد أوهبه الإله بالسبق واصـــــــل
محمد الصديق والنسب شهــرا
بابن إدريس إن كنت سائـــــــــــل
ومسكنه قجال والمنشأ قل بـــه
سلالة مجد نص عنها الأوائـــــــل
فلله در ذا الإما م لأنــــــــــــــه
شجاع عند الحروب نسل الأفاضل
تقوَّل في العلوم حتى ارتقى بها
مكانة أهل الصدق وأعلا المنــازل
فذوا كرم وفخر لا يقاس بمثلـه
ترفَّــل في الأنــوار،إيََّـاك تجهـــــل
قد اقتبس الأنوارمن شيخه حتى
ضاء به المكان، إيَّاك تغفــــــــل
فزره مرارا تغتنم بركاتـــــــــه
بها سعد الدارين ، ليس له مثـــــــل
تواضعه مشهور وكذا زهــــده
قد شابه شيخه في كل الخصائـــــل
محمد بن عبد الكريم عَـلَـمــــــه
ونسبته السُّلامي والكسنى والأصـل
وقد شاع في الوطن المذكور مقامــــــــه
فمقصد للأيتام ومأوى الأرامـــــــــــــل
كرامته لاتحصى بحر المعارف
ومُحي قلوب الخلق موقظ الغافــل
جواد بسيط الكف حتى لو أنـــه
دعاها لقبض لم تجبه الأنامـــــــل
فيارب طوِّل للأنام بقدرحياتـــه
إمام جليل القدر حاز التفضـــــــل
عليه من الله الكريم رضوانــــه
مدى الدهر،مادامت شهور تهلــل
كذا سيدي الموهوب من نسـل زروق
فياله من شيخ حميد الخصائـــــــل
له كرامات شهدناهـا يــافتى
منها أمر للمحتاج عند التحـــــول
فأنواره تلوح للعبد. ذوالتــقى
وقائم بالفروض ثم النوافـــــــــــل
مع النصح للمخلوق غاية جهـده
فلا زال في حفظ الإله مبجّــــــــل
يـود الـذي لاقـاه ألايـفارقـــــــه
فبالحق قائم وكاره الباطــــــــــــل
ونظمه الفقير إلى ربه محمــــد
فابن علي يرتجي محو الزلــــــــل
ضعيف الورى وأحوج الخلق كلهم
إلى رحمة المولى العظيم المتعــــــــال
لعلكم تدركوه بفضلكــــــــــم
فياسدتي إني عنكم عامــــــــــــــــل
وصل يارب على نبيك أحمـــد
كذا الآل والأصحاب جمع مفضل
يوم 14 شوال 1302 هـ/ 1885 م

============
                                                                     

الشيخ الطيب بن الصديق حمادوش


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ الطيب حمادوش


مولده :


ولد سيدي الشيخ الطيب بن الصديق سنة1872 م كان وحيد أبيه من الذكور، حفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين .أخذ مبادئ النحو والفقه الأولى على يد والده، ثم الشيخ الدراجي عيادي .

شخصيته :


انتقل بعد ذلك إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق ليواصل تعلمه ولكن وفاة والده عجلت بعودته، فتولى بعده مسؤولية البيت المبارك والزاوية العامرة، وهو شاب يافع لم يتجاوزالعقد الثاني من عمره ، وقف إلى جنبه الشيخ الدراجي عيادي بناء على وصية من والده ، فكان سنده القوي ، ومرجعه المخلص إلى أن اشتد عوده وتمكن من نفسه .


كان الشيخ الطيب رحمه الله رجلا حازما، وفارسا لا يترك سلاحه قائما أوقاعدا، وكان جادا لا يعرف الخمول ولا التواكل ، ذكيا ؛ يتمتع بفراسة حادة مكنته من معرفة الرجال، وتمييزالقريب من البعيد ،والحليف من الخصيم، وكشف مكائد الخصوم، ومواجهتهم بما يبيتون له. كما جمع إلى جنب هذه الخصال الورع والتقوى ،والتزام الذكر، وتلاوة القرآن .

سيدي الطيب الولي البركة
:


لم يكن سيدي الطيب رجل علم وتعليم كوالده،ولكنه كان بورعه وتقواه رمزا روحيا لأهل المنطقة . لم تتوقف الزاوية في عهده ولكنها شهدت نوعا من الفتور ، نظرا لانشغال الشيخ الطيب بالعمل الفلاحي لسد حاجات الأسرة النامية والإنفاق على طلبة القرآن والفقه وإيواء عابري السبيل وإطعام السائلين والأيتام، ويبدو أن انتشار الفقر والمجاعة خاصة خلال العشرينات من القرن العشرين، وازدياد حاجة الناس إلى الطعام جعلت الشيخ الطيب يصرف أكثر حهده واهتمامه إلى العمل الزراعي للقيام بدوره الاجتماعي على خير وجه امتثالا لقوله تعالى :" فلا اقتحم العقبة ، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة ، أو إطعام في يوم ذي مسغبة ؛ يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة " سورة البلد .
روى لي الشيخ محمد خلفي أطال الله عمره ، أن الشيخ الطيب كان يدخل عند الشيخ بوزيد وهو يعلم القرآن بالزاوية فيقول له "إطعام الطعام ، إطعام الطعام ياسي بوزيد " في إشارة منه إلى أن إطعام الطعام اليوم أولى ، لشدة حاجة الناس إليه .


وفاته :


انتقل الشيخ سيدي الطيب إلى رحمة ربه يوم الاثنين 29 ماي سنة 1933م أثناء أدائه لصلاة المغرب فتولى من بعده شؤون البيت والزاوية بكره الشيخ محمد الصديق .


============================================

الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشيخ محمد الصديق حمادوش


( 1966-1895 )


مولـــده:


الشيخ محمد الصديق هو بكر الشيخ الطيب بن حمادوش
ولد في 01 /07 / 1895 بقرية قجال .


دراسته :


حفظ القرآن وأخذ مبادئ اللغة العربية والفقه في زاويتهم ،ثم انتقل إلى مدينة سطيف ليواصل دراسته بها، فتعرف على الشيخ البشير الإبراهيمي، وأخذ عنه،وتوطدت العلاقة بينهما وكان الشيخ محمد الصديق يحب الشيخ البشير ويجله ويذكر علمه وفصاحته ويعدد خصاله وأعماله ،وكان يبدي امتعاضه من النظام الذي فرض الإقامة الجبرية على الشيخ البشير الإبراهيمي، ويوم توفي الشيخ البشير سنة 1965ونشرت جريدة الشعب خبر وفاته بكلمة مقتضبة في صفحتها الأولى ،بدا متأثرا جدا ولكنه لم يقل شيئا وتلك كانت طبيعته.

أخلاقه
:


عرف الشيخ الصديق بورعه وتقواه ، وكان مقيما للصلاة محافظا على النوافل، صاحب ولاية وكرامات يتمتع بشخصية ذات مهابة وجلال ،حكيما إذا تحدث ، حليما إذا غضب ، صادقا إذا وعد، ناصحا أمينا ، رزينا ذا بعد نظر في كل تصرفاته ومواقفه وأعماله وعلاقاته .

مسؤولية البيت والزاوية
:


بعد وفاة والده ، تولي أمر البيت والزاوية تنفيذا لوصية والده ، فكان نعم الأخ لإخوته ،وخير الأب للأسرة كلها والابن المطيع المسترشد بزوجة أبيه السيدة الفاضلة ،والناصح الأمين المعروف بحكمته وبعد نظره في منطقةقجال وما حولها .

اجتهد الشيخ محمد الصديق في إعطاء بعث جديد للزاوية ،فأعاد بناء مسجدها الذي كان مغطى بجريد النخيل وتم تغطيته لأول مرة بالقرميد كان ذلك سنة 1936 .ثم التمس من الشيخ المختار بن الشيخ أن يتولي التدريس بالزاوية فلبى الشيخ المختار الدعوة وشرع في التدريس ، وبذلك عاد للزاوية دورها العلمي ؛فأقبل عليها طلبة العلم من كل الجهات ( ذكرنا بعضهم في ترجمة الشيخ المختار بن الشيخ). كما عمل سيدي محمد الصديق بالتعاون مع إخوته على تنمية العمل الفلاحي من زراعة للحبوب والخضر وتربية للمواشي .ومن أبرز تلك الأعمال وأهمها من الناحية الاجتماعية والدينية وتزين المحيط والمحافظة على البيئة بستان أشجار الفواكه الذي أنشئ على الأرض الواقعة شرق بيت الشيخ ، شمال المقبرة . كان هذا البستان تحفة قرية قجال،وكان بأشجاره المتنوعة الفواكه ذات النوع الجيد بهجة للناظريين ومأنسا للمتأملين وهنيئا مريئا للطاعمين. ولم يكن ذلك البستان يحقق أي فائدة اقتصادية للعائلة ، لأن ثماره كانت موقوفة في سبيل الله .

علاقاته :


كان للشيخ محمد الصديق علاقات شخصية مع الشيخ البشير الإبراهيمي كما سبقت الإشارة إلى ،ذلك ، حيث تتلمذ عليه في أول الأمر، ثم تطورت تلك العلاقة لتصبح علاقة تعاون في خدمة العلم والدين ،وقد تجلى ذلك خلال تعاونهما في التجمعات التي كانت تعقدها جمعية العلماء لجمع التبرعات، ومنها التجمع الذي انعقد بمسجد زاوية قجال، وحضره جمع غفير من سكان المنطقة ، وترأس الاجتماع الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله وقُدِّم للصلاة . وصلى بالناس صلاة المغرب. وبعد العَشاء خطب في الحاضرين، وطلب منهم مساعدة جمعية العلماء في جمع التبرعات لبناء مدرسة الفتح بمدينة سطيف. فكان أهل قجال أول المساهمين في بنائها. وكانت له علاقات مع كثير من العلماء ، كالشيخ العربي التباني،والشيخ نعيم النعيمي،والشيخ بلقاسم بن عكة وغيرهم .

تقاسم الأعمال من أجل أداء أفضل للمسؤوليات :


ظل الشيخ محمد الصديق وفيا لمسؤولياته إزاء الأسرة والزاوية. فلما أنهى الشيخ عبد الحميد دراسته بجامع الزيتونة وعاد إلى أرض الوطن تفرغ للتعليم والإمامة والفتوى وكل ما يتعلق بشؤون الزاوية من بناء وإصلاح، بينما تركزت اهتمامات الشيخ محمد الصديق على الشؤون الفلاحية، والإنفاق والتوجيه العام،وتكلف الشيخ عبد الرحمن بالشؤون المنزلية وإطعام الطلبة والزوار وأبناء السبيل.


الشيخ محمد الصديق في مواجهة البلاء :


لم يؤثر شيء في نفس الشيخ محمد الصديق، قدر ما أثرت فيه ثلاث وقائع شديدة ، أفقدته الكثير من فاعليته وقدراته التوجيهية : الواقعة الأولى تمثلت في استشهاد العلامة المجاهد عبد الحميد، الذي كان يرى فيه مستقبل المرجعية الدينية والروحية والتوجيهية ومستقبل الزاوية كمركز علمي معرفي للمنطقة .وكانت الواقعة الثانية في وفاة الأم الكبيرة السيدة خديجة سنة 1961م التي فقد بفقدها التماسك الداخلي للعائلة . وتمثلت الواقعة الثالثة في فقده فلذة كبده ووحيده الابن البار محمد الصغير، الذي عجل به القدر في نهاية صائفة سنة 1963م، وهو ابن الرابعة والعشرين ؛ لقد فقد بفقده أمل المستقبل ورجل الفلاحة الأول في البيت .تلكم الفلاحة التي كانت المورد الوحيد الذي تسترزق منه العائلة وتطعم طلبة القرآن والفقه .


قجال مرة أخرى على موعد مع التاريخ بعد الاستقلال
:


ورغم تلك الصدمات المفجعة التي ألمت بالشيخ محمد الصديق، إلا أنها لم تفت في عزمه ولم تنل من إرادته في إعطاء دور جديد للزاوية، في تعليم أبناء المنطقة خاصة الذين لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم في المدرسة النظامية فاستقدم في الأشهر الأولى للاستقلال الشيخ القريشي مدني لتعليمنا مبادئ القراءة واللغة العربية والجغرافية والتاريخ ،فكان عددنا لا يتجاوز العشرة . ثم جاء الشيخ الحسين مومن فاجتمع حوله عدد أكبر من الطلبة لعدة شهور. وفي صائفة سنة 1963 حضر البشير قزوط عند الشيخ محمد الصديق وجلسا بالبيت الواقع أمام المسجد، وبعد تناول كسرة باللبن تطرق الحديث إلى مسألة التعليم بالزاوية تنفيذا لوصية الإمام الشهيد عبد الحميد حماد وش فاقترح سي البشير على الشيخ محمد الصديق فكرة إنشاء مدرسة، فبارك الشيخ محمد الصديق الفكرة على الفور وقال له: على بركة الله . ومنذ تلك اللحظة انطلقت الأشغال بسرعة مذهلة؛ فتم تكوين لجنة تضم كلا من البشير قزوط والشيخ محمد الصديق والشيخ القريشي مدني والشيخ لحسن بودرا فه وبوزيد هيشور والبشير فلاحي والشيخ محمد خلفي . وكان مواطنو بلدية قجال مع الحدث فجمعت زكوات الحبوب والتبرعات . وتم اعتماد فكرة إنشاء البيوت القصديرية"البرارك " عوض بناء أقسام جديدة الذي يتطلب مدة أطول وأموالا أكثر. وما حل شهر نوفمبر من سنة 1963حتى فتحت الإعدادية أبوابها تحت اسم : إعدادية الشهيد عبد الحميد حمادوش لطلبة العلم والمعرفة. وكان افتتاحها بمهرجان رائع وحفل بهيج حضره الشيخ نعيم النعيمي والأستاذ محمد العوضي المصري والشيخ الإمام بن مدور وغيرهم من الشخصيات والأساتذة والمجاهدين . وشاع في الآفاق خبر مدرسة قجال. فتقاطر عليها الطلبة من كل صوب وحدب ، وبارك الله فيها. وكان لها دور كبير في إخراج أجيال من ظلمات الجهل إلى نور العلم. كما ساهمت بنسبة كبيرة في مد المدارس النظامية بالمعلمين والأساتذة . وكم كان الشيخ محمد الصديق حريصا على أن تبقى هذه الإعدادية ذات طابع شعبي يتعلم فيها ابن الغني بماله ويجد الفقير فيها مقعدا لابنه بدون مقابل , ويبقى للعائلة فيها دور الإشراف المعنوي والإرشاد الديني والمساهمة المادية . ولكن ما الحيلة وهذا الجسد المكدود قد أتي الشلل على نصفه وفقد المعين والنصير ومن هو بالأمور بصير ،وحانت ساعة الرحيل.

وفاته :

توفي الشيخ محمد الصديق في أول شهر يوليو سنة1966 عن اثنتين وسبعين سنة وشيع جنازته جمع غفير من أهل قجال وضواحيها وسطيف وحضرها وفد رسمي من الشؤون الدينية على رأسهم الشيخ نعيم النعيمي الذي ألقى في المشيعين كلمة تأبينية ترحم فيها على روح الشيخ محمد الصديق مذكرا بخصاله الحميدة .وأعماله الباقية بإذن الله .


========================================

الشهيد الإمام عبد الحميد حمادوش


بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين

الشهيد الإمام عبد الحميد حمادوش وزاوية قجال


السيد الشهيد ((الإمام عبد الحميد حمادوش رحمه الله))




محطات تاريخية في حياة الشهيد :


ولد الشهيد عبد الحميد حماد وش سنة 1919م ، وكان أصغر إخوته، ظهرت عليه علامات النبوغ والفطنة والشجاعة وسرعة البديهة منذ صغره كما يروي إخوته. حفظ القرآن الكريم مبكرا ، ثم انضم إلى حلقة الشيخ المختار بن الشيخ بالمسجد فتابع دروسه الأولى في الفقه واللغة العربية .


كان ابن بيئته ومجتمعه أحب الفروسية والصيد من أبيه الشيخ الطيب الفارس الحازم ومن أخيه الشيخ عبد العزيز الفارس الذي لا يشق له غبار. وأتقن سباق الخيل على يدي الفارس :"خليفي عمار من أولاد بونشاده. " كانت الفروسية في ذلك الوقت زينة الأعراس والأفراح ،وكانت ميادينها حلبة لتنافس الشباب وإظهار مهاراتهم الفروسية على ظهور الخيل وإطلاق البارود في حركات بهلوانية عجيبة. ولم يكن الشاب عبد الحميد يتخلف عن حضور المنافسات الفروسية رفقة العديد من شباب المنطقة، وكان يمارس هواية الصيد بشغف ومهارة . لكن الحادث الخطير الذي وقع له في أحد الأعراس - حيث وقعت به الفرس فماتت من حينها ونجا هو بأعجوبة - جعلته يصرف اهتمامه عن الفروسية .



-حاجة زاوية قجال إلى مرجع ديني :

كان الشيخ محمد الصديق منذ توليه مشيخة الزاوية بعد وفاة والده الشيخ الطيب، يفكر في مستقبل التعليم بالزاوية، وحاجة الناس إلى مرجعية دينية تتصدى لأمور الفتوى والإرشاد والتوجيه والإصلاح بالمنطقة . وكان الشيخ محمد الصديق يظهر هذه الرغبة للشاب عبد الحميد ويشجعه على طلب العلم ويفتح له سببل التعرف على العلماء ويصطحبه معه في زياراته إليهم فتعرف على الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله،وإمام الحرمين الشيخ محمد العربي التباني ،وكانت له لقاءات مع الشيخ الطيب زروق الذي حثه على السفر إلى تونس للدراسة بجامعة الزيتونة .

في بداية الأربعينيات سافر إلى تونس قضى فيها فترة في جامعة الزيتونة تجاوزت سبع سنوات مر فيها بمراحل التعليم المختلفة وأخذ عن أساتذة وشيوخ أجلاء نذكر منهم: الشيخ الفاضل بن عاشور- الشيخ المهدي الوزاني- والشيخ محمد بوشربية - الشيخ عمر الهمامي -الشيخ المختار بن محمود-والشيخ البشير النيفر-والشيخ الزغواني والشيخ العربي العنابي وغيرهم من علماء تونس الخضراء . وكان من رفاق الشهيد في الدراسة بتونس السادة : عبد الحميد مهري -- ومحمد الصالح يحياوي – وعمر شايب ومبارك شايب ومحمد الصغير قارة وغيرهم عاد الأستاذ الشيخ عبد الحميد من تونس لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرة حياته ؛ مسيرة العطاء ، العطاء اللامحدود الذي ابتدأه ببذل ما وسعه جهده في محاربة الجهل ونشر العلم والمعرفة ، والإصلاح الاجتماعي واختتمه ببذل الروح في سبيل الله
بعد عودته في نهاية الأربعينيات وجد أن المسجد يحتاج إلى إصلاح وترميم ، وكان العديد من طلبة الزاوية ينتظرون عودته لاستئناف الدروس التي توقفت بعد وفاة الشيخ المختار بن الشيخ رحمه الله. فقرر أن يكون عمله في الاتجاهين: فاستأنف الدروس بمجموعة من الطلبة منهم : الشيخ القريشي مدني، الأستاذ السيد إسماعيل زروق والشهيدان محمد رحال والزايدي كفي،والشيوخ الحاج زروق والمحفوظ صفيح ، وبقاق إبراهيم ،وعلي مليزي وعمار مليري،والشريف زروق ولحسن عبد العزيز،وعبد الوهاب حمادوش ومحمد الصغير حمادوش، ومحمد بوكراع وغيرهم ممن كان لهم الفضل الكبير في بعث أول مدرسة جزائرية في عهد الحرية والاستقلال . وفي نفس الوقت كون لجنة من أجل جمع الأموال لإعادة بناء مسجد الزاوية والمرافق التابعة له فكان في عونه رجال مخلصون من قجال وضواحيها من أمثال الحاج المهدي مدني وبن الفلاحي والشهيد سي حمود فني ، والشهيد سي علي بن الزايدي،وعلي حمداش والشيخ الخير فاضلي وهيشور بوزيد وغيرهم .وتم تجديد قاعة الصلاة وحلقات الدرس وأضيف إليها مطهرة وحجرتان .وعلى الأمل معقودا على بناء قاعة خاصة بالنساء لأداء الصلوات الخمس ومتابعة الدروس


- صفات شخصية :

لم يكتب لي أن أتعرف على شخصية الإمام الأستاذ الشهيد عبد الحميد في أبعادها الإنسانية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية ، وذلك لصغر سني في ذلك الوقت حيث كان عمري لا يتجاوز عقده الأول، ولكن رغم ذلك مازلت أذكر بعض ملامح هيئته ذات المهابة والوقار ،كان ربعة في طوله ، ممتلئ الجسم ،رحب الصدر عريض المنكبين , ،طلق الوجه ، مهيب النظرة ، هشا عند اللقاء ، سريع المشية ذا أناقة ملفتة للانتباه يرتدي قندورة –عادة- ما تكون رمادية أو زرقاء ليلية ويضع على رأسه عمامة بيضاء .ذلك بعض ما أمكنني إعتصاره من ذاكرتي من ملامح عن شخصية الشهيد ولقد حاولت منذ سنوات أن أتعرف على شخصيته أكثر من خلال الحديث مع تلاميذه ومع من عرفه عن قرب أو عاش معه أو كان رفيقا له في دراسة أو صحبة في جهاد،فاجتمع لدي من ذلك كله تصورا لبعض المعالم عن أفكاره وتوجهاته خاصة منها الدعوية والاجتماعية والثقافية والسياسية .وقد برزت تلكم المعالم من خلال مواقفه وتعاملاته وعلاقاته مع مختلف الفئات الاجتماعية انطلاقا من إخوته وباقي أفراد عائلته إلى طلبته ،إلى العلماء الذين كان يلتقي بهم أو يزورهم أو يزورونه ، إلى الرجال الذين كان يتصل بهم من الفلاحين والتجار وأصحاب الحرف إلى مواقفه من الاستعمار وأعوانه الخ .

- العالم الرسالي :

كان الإمام الشهيد عبد الحميد رجل علم وتعليم ورجل تربية من الطراز الأول تفانى في كسب العلم حتى برع في أصول وفروع علوم الفقه واللغة وفنون الأدب ما جعله علما من الأعلام في جيله وفحلا من فحول البيان من على المنابر في شتى المناسبات كانت خطبه في الأعياد تقرع الأسماع قرعا فيغدو لها في القلوب وجلا وفي الأنفس أثرا و في العقول نورا ،وعلى الألسن ذكرا طيبا .أم خطبه في التجمعات التي كان يعقدها الثوار من حين إلى حين في القرى والجبال فكانت تلهب حس الجماهير وتؤجج فيهم روح الثورة والجهاد لتحقيق إحدى الحسنيين النصر والاستقلال أو الشهادة في سبيل الله .


كان العلم عنده رسالة نور وخير يشع بها العالم على الناس من حوله ليعرفوا ربهم العليم الكريم ويدركوا أبعاد وجودهم في هذه الحياة ويتمكنوا من خلال النظر في آيات الله في القرآن المقروء وآياته في الكون المنظور من السمو بإنسانيتهم روحا وفكرا وجسدا في عملية تكاملية مستمرة لا تنفرد بالروح فتجعل من الإنسان راهبا مبتدعا ، ولا تنفرد بالفكر فيغدو فيلسوفا متعاليا ولا تنفرد بالجسد فتخلد بالإنسان إلى الأرض وكان طلبة العلم عنده قرة العين ومهجة الفؤاد ،يحرص على تربيتهم من خلال سلوكه معهم ،فلا يرون منه إلا ما يملأ العين ويقع في النفس موقع التأسي والاقتداء ،ولا يسمعون منه إلا ما يزيدهم يقينا بالعلم ويحببهم فيه . كان يردد على أسماعهم الحديث الشريف " إن الملائكة لتبسط أجنحتها لطالب العلم " ليسبح بهم في ملكوت الله ومحبته ويمشي معهم أحيانا إلى البستان ويجول بهم بين أشجاره وهو يتلو على مسامعهم قول الله تعالى "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور". (سورة الملك الآية أو يحمل المعول ويضرب الأرض ، وهو يردد الحديث الشريف " اليد العليا خير من اليد السفلى" في إشارة إلى قيمة اليد العاملة المنتجة التي ترفض التسول والاستجداء .في سنة من سنوات الجفاف والحاجة عجزت ميزانية العائلة عن إطعام الطلبة فما كان من الأمام إلا استأذن أخاه الأكبر الشيخ محمد الصديق في بيع قطعة أرض من أجل سد حاجة الطلبة من الطعام وبعد اتفاق الإخوة باعوا قطعة أرض كانت بالقرب من دوار لخلف . وواصل بذلك الطلبة تعليمهم دون انقطاع وهكذا سجلت هذه الواقعة للأستاذ عبد الحميد موقفا جريئا يؤكد أولا علي استمرار الدور الرسالي له ولعائلته في خدمة العلم وطلبته وحفظة القرآن الكريم . ويعطي ثانيا المثل في البذل من أجل العلم الذي رفع الله من شأنه فجعل حامليه شهودا على وحدانيته وعدله رفقة الملائكة ، وباهى بطلبته الملائكة الأبرار .

التكامل في شخصية العالم الإنسان الداعي إلى الله على بصيرة:

كان الإمام الشهيد عبد الحميد رجلا حباه الله من الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة والذكاء الحاد والبصيرة النافذة ما جعله مضرب المثل، من رآه أول مرة هابه، ومن عرفه أحبه ووقره .إذا أقبل من بعيد هلّ لمقدمه الحاضرون ،وانشرحت لمنظره الصدور ووقف لاستقباله الكبير والصغير إذا جلس عظم به المجلس وحفته السكينة والوقار ،وإذا تحدث أصغت إليه الآذان وإذا سئل نقع غليل السائلين .لم يُر أبدا شاكيا ولا متأففا ولا ساخطا على شيء من الدنيا ، يقول ما يفعل ، منفتحا على كل شخص يتوسم فيه خصائص الفطنة ،والذكاء والعفة والصدق نائيا بنفسه عن كل سفيه ضعيف العقل بليد الحس .

كان شديد الورع ،ذا تقى وصلاح يحمل بين جوانحه قلبا فياضا بالعواطف السليمة والمشاعر النبيلة إذا رأى فقيرا لا تراه إلا ساعيا في مد يد العون له .اليتيم عنده أولى من ولده وأقرب إليه من نفسه .

فإذا ما جئنا إلى علاقات الأمام الشهيد الإنسانية وجدناه نعم الرجل المضياف الكريم السريع النجدة يسعى في خدمة إخوانه ولا يألوا في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا . روى لي الشيخ عمر رو ميلي وهو أحد الطلبة الذين كانوا يتابعون الدراسة في جامعة الزيتونة .أنه حين سافر إلى تونس بغرض الدراسة، ولم تكن معه الوثائق الضرورية للإقامة فاختفى عند أحد الجزائريين خوفا من أن تمسكه الشرطة فتعيده إلى بلاده .وكان الإمام الشهيد هو من سعى له في الحصول على الوثائق المطلوبة للإقامة، والتسجيل بجامعة الزيتونة. أم عن سعيه

في إصلاح ذات البين ،فكان يبذل من أجلها الجهد والمال ، فكان كلما سمع بخصام أو نزاع حصل بين طرفين أو أطراف معينة في مكان ما لم ينتظر حتى يأتيه طرف منهم يدعوه إلى الإصلاح بينهم بل كان يباغت الجميع فيدعو الطرفين إليه بالزاوية فيكرمهم ،ويسمع من كل طرف شكواه ،ثم يعظهم بكلمات بليغة مؤثرة ،حتى يزيل من القلوب ما علق بها من ضغائن وأحقاد وأطماع ووساوس ،ثم يدعوهم إلى العفو والصفح عن بعضهم البعض . وإذا تعلق الأمر بحقوق واجبة الأداء ، أمرهم بأدائها، وساعدهم على ذلك ما استطاع؛ ذكر لي أكثر من واحد ممن عرفوه أن طريقة الشهيد عبد الحميد في الإصلاح كان لها الأثر البالغ في النفوس. فقللت من النزاعات بين الناس،وصاروا يسعون إلى فك خصوماتهم بأنفسهم قبل أن يبلغ خبرها إلى الشيخ عبد الحميد فيحرجهم بمباغتته لهم. ومما يتميز به الإمام الشهيد أيضا أنه كان منفتحا على الحياة بجميع مواقعها وتنوع اختصاصاتها وتعدد أعمالها ووظائفها وحرفها ومهنها ،كان يدرك تماما أن العالم الذي يتصدى للدعوة إلى دين الله العظيم ينبغي أن يكون ملما بعلاقة الدين بالحياة تلكم العلاقة الدقيقة جدا والخطيرة جدا على الدين والحياة معا، إذا لم يكن الوعي بها كافيا ،فكثيرا ما ينسى الداعي الشخص المدعو أمامه وربما لا يعرف شيئا عن أحواله أو عمله أو وظيفته أو حرفته ، فيفتنه من حيث يريد إرشاده وتوجيهه أو يضله من حيث يريد له الهداية ،أو يفسده من حيث يريد له الإصلاح وهكذا يتحول الداعي بسبب جهله بعلاقة الدين بالحياة، ودور الدين في إصلاح المجتمع وتنمية الحياة في كل مواقع العمل فيها نحو الأفضل والأصلح والأنجع ،إلى فتان مضل مفسد دون أن يدري ، من هنا كان وعي الإمام الشهيد عبد الحميد بالمسألة . فكان يتحرك في كل مواقع الحياة ومع الناس من مواقع المسؤولية والعمل من منطلق أن الخطاب الدعوي ختلاف الأشخاص وأحوالهم وأعمالهم فكان إذا أتى فلاحا حدثه علي محاولة تطوير فلاحته وتحسين الإنتاج من خلال الاستفادة من تجربة المعمر في فلاحته وربما ختم حديثه معه بالحديث الشريف : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه."

روي لي أحد المشتغلين بالميكانيكا أن الإمام الشهيد كان يزوره في ورشته ،فلا يحدثه عن شيء خارج دائرة عمله، بل كان يركز كلامه عن الميكانيكا وعن دورها في الحياة الجديدة، وفي تطوير الفلاحة والصناعة وكيف أن كثيرا من الصناعات في أوروبا تطورت على يد ميكانيكيين كانت لهم ورشات مثلنا، وكيف أن هؤلاء الميكانيكيين كانوا يبذلون الجهود المضنية ويدفعون الأموال الطائلة ،وربما بذل أحدهم كل ما يملك من أجل الوصول إلى اختراعه ،كذلك الذي اخترع طلاء الأواني !حيث لم يصل إلى اختراعه إلا بعد أن باع كل مقتنياته من أجل الحصول على المواد الضرورية لأجراء تجاربه، وكان آخر ما باعه كرسيه الذي يجلس عليه للعمل . و كم كانت فرحته عظيمة عندما تحصل على النتيجة بعد ما دفع آخر ما يملك !. هكذا كان الشيخ عبد الحميد يتحرك في أوساط العمال وأصحاب الحرف ،يرشد كل واحد في ميدانه، ويقول لهم : تعلموا الحرف والصناعات وعلموها الناس فإنها من أعظم العبادات .

-اهتمامه بالتاريخ والآثار:

لم تكن اهتمامات الإمام الشهيد عبد الحميد محدودة ،أو محصورة في مجال التعليم والفتوى وحسب. بل كانت له اهتمامات تاريخية وفكرية وسياسية . حدثني أكثر من واحد أن الإمام: كان يحدثنا عن تاريخ منطقة قجال ، وكان يوصي بالمحافظة على ما يعثر عليه المواطنون من آثار أثناء عمليات حفر الترع أو أسس البيوت .وكانت له مراسلات مع بعض المؤرخين في الخارج كما اجتهد في جمع العديد من الوثائق ،ولكن مع الأسف الشديد فإن كثيرا من مراسلاته والوثائق التي كان يحتفظ بها لم نعثر لها على أثر . هل هي عند من أودع عندهم كتبه قبل التحاقه بالثورة ؟ أم هي من الوثائق التي أخذها المؤرخ المهدي البوعبدلي .

-اهتمامه بالصحافة كهدف لنشر الوعي:

أما عن اهتماماته السياسية فكانت تتجلى في متابعته للصحف والمجلات العربية مثل البصائر والأهرام المصرية ومجلة لواء الإسلام ومجلة الدعوى التابعة للإخوان المسلمين أما الصحف الناطقة بالفرنسية فكان يقرأها له ابن أخيه النذير الذي كان يتقن اللغة الفرنسية .أما الأخبار الإذاعية فقد جلب الإمام مذياعا خاصا به وصرنا نتابع الأخبار رفقته وكم كنا نستمتع بالأغاني والأناشيد الوطنية المنبعثة من صوت الجزائر أو صوت العرب وكان الأستاذ يبدي إعجابه الشديد بالأناشيد التي تمجد الثورة الجزائرية . كان اهتمام الإمام بالأخبار وسيلة لنشر الوعي الوطني في أوساط الشباب الجزائري ومتابعة تطورات الثورة في الداخل والخارج . ذكر لي العمري بن غذفة: أن الإمام كان دائم الزيارة له في دكانه المتواضع داخل الحارة المقابلة لصيدلية فرحات عباس سابقا حيث كان يشتغل خياطا رفقة الطالب سي ساعد كتفي الملقب بالروج .كان الإمام يتابع الأخبار والبرامج الثقافية ، ويحاول أن يشرح للحاضرين معه ما صعب عليهم فهمه من كلمات وجمل ومصطلحات، وأخبار ، وبهذا يؤدي دوره الإعلامي والتثقيفي في أوساط المواطنين

- موقف الإمام يوم زيارة الحاكم الفرنسي نيجلان :

كان ذلك في ربيع سنة 1950 م حيث أعدت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بالتعاون مع أعوانها من القياد والمنتخبين احتفالا ضخما لاستقبال الحاكم العام أدمون نيجلان الذي قدم لتدشين مدرسة قجال ،وقررت الإدارة أن تكلف الشيخ عبد الحميد حماد وش بإلقاء كلمة الترحيب التي أعدت من طرف الإدارة الاستعمارية .فاقترح عليهم الشيخ عبد الحميد أن يحرر الكلمة بنفسه فلما رُفض طلبه قال لهم :" لا أرضى لنفسي أن أكون بوقا لغيري ، ولا أن يقولني أحد ما لا أريد أن أقوله " وقد حاول أحد المقربين من الإدارة الاستعمارية أن يخوفه فقال له :يا عبد الحميد إنك تخاف على نفسك ،فكان جوابه لا خوف إلا من الله . وقد أحدث موقف الإمام هذا ضجة كبيرة، وطالبت بعض الأطراف معاقبته ،وقال الذين ينظرون إلى المسألة من موقع الحضوة لدى فرنسا :لقد جاءه العز إلى أنفه فرفضه . ولولا عناية الله تعالى بالإمام وتدخل أخيه الأكبر الشيخ الصديق لدى بعض المعارف، لكان مصيره السجن .

-انخراطه في الثورة :

ظل الإمام سيدي عبد الحميد بعد ذلك يؤكد قناعته تجاه الاستعمار إلى أن قامت الثورة.ولنترك تلميذه الشيخ القريشي مدني يحدثنا عن انخراط الإمام في الثورة ، وكيف كان عمله في بدايتها " …وكان رحمه الله من السباقين بالانضمام إلى ثورة أول نوفمبر 1954 وأظهر نشاطا مكثفا في توعية المواطنين والتعريف بالأهداف التي ترمي إليها الثورة ، وشرع في جمع الأسلحة من المواطنين وكذا جمع التبرعات لفائدة الثورة . وكان الذي يعينه في جمع الأسلحة والذخيرة الحربية الشهيد سي حمود فني رحمه الله ، وأول مدفع رشاش دخل جبل بوطالب كان على يدي الإمام الشهيد عبد الحميد ، كان هذا الرشاش اقتناه المجاهد خليفة فلاحي من عهد الحرب العالمية الثانية ، واحتفظ به إلى أن اندلعت الثورة فباح به إلى الإمام عبد الحميد ، فكلفني أنا بأخذ هذا الرشاش ، من هذا المواطن ، وسلمته بدوري إلى المجاهدين وكان رحمه الله كتوما للسر إلى أبعد الحدودوكان يقول : إن الثورة تنجح بالكتمان لا بإفشاءالأسرار…وكان رحمه الله لم يخامره أدنى شك في نجاح الثورة ولا يتردد في عمله الثوري أبدا مهما كلفه ذلك من تضحياتوكان يقول لي : إن الثورة ستنتصر بإذن الله وإن الجزائر ستستقل لا محالة ، ولا أدري أتطول بي الحياة وأعيش حتى أرى الاستقلال أم استشهد ولا أرى الاستقلال …" أما شهادة أبن أخته الشيخ إسماعيل زروق الذي كان مودع سره وبريده مع بعض المجاهدين ، فإن الإمام الشهيد كانت له علاقات واتصالات مع قيادات كبيرة في الثورة في بدايتها وكانت تصله مراسلات من القائد العمروي . ويوسف يعلاوي وغيرهم .

-آخرصلاة صلاها بالناس :

في سنة 1956 توسعت الثورة ،وبدأ يظهر عملها في سطيف وضواحيها ،وأحس الاستعمار بذلك وبدأت محاولاته في تعقب تحركات المواطنين واستفزاز هم وتخويفهم. وكانت أولى تحرشاته بأهل قجال في عيد الفطر لسنة 1374 هجرية الموافق لشهر ماي 1956 حيث كانت آخر صلاة صلاها الإمام بالناس ، وفي الوقت الذي كان المصلون ملتفين حول الإمام لسماع خطبة العيد فإذا بالعدو يطوقهم بثلاث دبابات ومجنزرة وطائرة استكشافية تحلق فوق رؤوسهم ، تنبه الإمام لذلك فقال : أيها الناس لا تتفرقوا علي عادتكم من هنا ،حتى لا يؤذينا العدو ، بل عودوا إلى المسجد. فعاد الناس جميعا إلى المسجد .ثم بعد ذلك خرجوا عائدين إلى بيوتهم وانتهى الأمر بسلام بعد ذلك توقفت الدراسة بالزاوية وغادرها الطلبة فمنهم من التحق بالثورة ، ومنهم من هاجر إلى فرنسا والتحق الشيخ القريشي مدني بالثورة أما نحن الصغار فتولى تعليمنا سيدي إسماعيل زروق أما الأستاذ عبد الحميد فقد وصل عمله السري ،ولم يكن يطلع أحدا على اتصالاته إلا سيدي إسماعيل زروق الذي كان واسطته مع بعض المجاهدين من أمثال الشيخ قدور كسكاس والشهيد أحمد الضحوي رحمهما الله .

-لا للخروج من أرض الجهاد :

واستمر الأمر كذلك حتى سنة 1958 ، حيث كثف الاستعمار مخابراته واستعان بجواسيسه وأعوانه للكشف عن الثوار . ولعله ارتاب في أمر الإمام ،أو تأكد من دروه في الثورة ولكنه لم يجد ما يبرر له القبض عليه . فحاول أن يجعله في خدمته فشدد عليه الحراسة ،فكان يأتيه أحيانا ويستدعيه حينا آخر ويهدده مرة أخرى، حتى يلزمه بالتعاون مع الإدارة الاستعمارية . وفرض عليه الحضور اليومي إلى مركز الدرك للتوقيع .وهنا يسجل الإمام موقفا آخر من مواقف الإيمان والاحتساب لله تعالى؛ روى لي ابن أخيه عبد الوهاب أنه بعد رجوعه في يوم من تلك الأيام العصيبة من مركز الدرك الاستعماري في رأس الماء عرج على بيت أخيه سيدي عبد العزيز رحمه الله، فاقترح عليه أن يسافر إلى تونس حرصا على نفسه وحياته بما تمثله من مستقبل المرجعية الدينية للمنطقة والتعليم بالزاوية .فكان رد الإمام :"أتريدني يا سيدي عبد العزيز أن أولي الأدبار، وأفر من أرض الجهاد،فأبوء بغضب الله تعالى "!

التحاقه بالجبل :

واشتد الأمر عليه ، وتأكد أن قوة العدو ستظل وراءه حتى تنال منه ما تريد أو تقضي عليه فقرر أن يلتحق بالجبل. وفي صباح ذلك اليوم عاد إلى بيته بقجال،وكان قد ترك المبيت فيه منذ مدة فلا يأتيه إلا نهارا . يقول سيدي إسماعيل :في ذلك اليوم طلب مني الإمام أن أشتري له شفرات حلاقة من دكان الطيب بوقزولة الدكان الوحيد بقجال يومئذ، وما كدت أعود إليه بشفرات الحلاقة، حتى وجدت آليات العدو قد أحاطت بدوار قجال والطريق المؤدي إلى مدينة سطيف وأخرجوا كل أفراد العائلة ، وسألوا عن سيدي عبد الحميد ،وكنا قد علمنا بمغادرته البيت نحو بير الابيض .فقلنا لهم:لقد توجه إلى سطيف ،فتركوا القرية وتوجهوا نحو مدينة سطيف أما سيدي عبد الحميد فقد اختفى عند الشيخ موسى حلتيم .فلما غادر كل عساكر العدو المنطقة أسرع إليه الطيب بوقزولة بسيارته وتوجه به نحو أم الحلي . وكان آخر ما قاله في صباح ذلك اليوم لابنه محمد الهادي ذي الأربع سنوات الذي تعلق بساقه وكأنه يودعه الوداع الأخير فقال له :" أبوك الذي تلاحقه فرنسا لم يعد له بقاء معكم". ومنذ ذلك اليوم لم تقع أعيننا عليه حتى بلغنا خبر استشهاده

يومياته بين الشعاب والجبال والكازمات :

فيما يلي مجموعة أحداث ووقائع وأخبار عن الشهيد سجلتها ذاكرة بعض المجاهدين أثناء مرافقة الإمام أو الالتقاء به بعد التحاقه بالجبل . سجلتها من أفواههم ،وأكتبها منسوبة إلى أصحابها .


1-بعد مغادرة بيته بقجال، انطلق صوب أم الحلي ، وفي مشتة الشطاطحه التقى بالمجاهد قويدر درغال،.فقال له :" ياسي قويدر عهد التخفي انتهى " يقول المجاهد قويدر ثم طلب مني أن اشتري له كراسات وأقلاما ومحفظة. وفي نفس اليوم أدى زيارة إلى الشيخ عرا س فني -رحمه الله – المعروف بمحبته للشيخ عبد الحميد وإخوته والزاوية ، وولعه الشديد بالقرآن وطلبة العلم وحرصه على خدمة بيوت العلم بكل ما يملك .

2- بعد التحاقه بالجبل عين الإمام في بداية سنة 1958 قاضيا لمنطقة سطيف ،وفي حفل تنصيبه حضرت وفود من القيادات العليا للثورة ،وبعد إلقاء الكلمات المعهودة في مثل هذه المناسبات ،جاءت كلمة الإمام معبرة عن وعي كبير بالمرحلة الدقيقة التي تمر بها الثورة ،وتصور واضح لما يجب أن تكون عليه القيادات من الالتزام والأداء لتستمر الثورة في خطها التصاعدي نحو تحقيق الاستقلال الوطني ،وقد أثرت تلك الكلمة في الحضور حتى تناقلتها الأسماع وتحدثت بها الألسن من منطقة إلى أخرى . وأكد لي الشيخ القريشي مدني هذه الواقعة وأضاف أنه كان من بين الحاضرين امرأة تعمل ممرضة علقت بعد سماعها كلمة الأستاذ قائلة : "كيف تتركون هذا الرجل في مثل هذه المناطق الخطرة ؟ إن الثورة ستخسر كل شيء إذا لم تحافظ على رجالها العظام "

3- أخبرني سي عبد العزيز لنقر أن الإمام الشيخ عبد الحميد ظل لمدة وإلى يوم استشهاده يتردد على بيتهم بعد انتهاء أعماله الجهادية في الجبال ومناطق الثورة المختلفة ومن المعروف أن هذا البيت هو بيت الشيخ عبد الله لنقر بيت القرآن والصلاح وبيت الشهيد سي التونسي رحمه الله ومن المؤكد أن الإمام الشهيد ما اختار الإقامة في هذا البيت إلا لما وجد فيه من العفاف والطهر و الاحترام والتقدير .ومن المناسب في هذا المقام أن أسجل ما حفظه عنه تلميذه المخلص الشيخ عبد القادر فني. حيث كان كلما زار مكانا أو أقام فيه وشعر فيه بالراحة والهناء والتقدير يقول :" إن المكان الذي يعيش فيه المرء عزيز الجانب،موفور الكرامة تستطيبه النفس ويهنأ به البال "

4- رغم كل ما كانت تفرضه يوميات الثورة من أعباء ومسؤوليات جهادية،وما كانت تستدعيه ترصدات العدو بالثورة ورجالها من احتياطات أمنية وتنقلات تكتيكية، فإن الشيخ عبد الحميد كان يتحين كل فرصة ممكنة ،لتقديم درس أو موعظة أو توجيه في موضوع مناسب للأحوال التي يعيشها الثوار في الجبال والشعاب والكهوف والمخابئ وذلك من أجل ربط القلوب بالله تعالى .ودفعها إلى تحمل المشاق والصعاب ومدافعة الخوف والقلق ونوازع النفس إلى الدعة والراحة واشتياق القلب إلى الزوجة والولد .كانت أغلب دروسه ومواعظه حول الإيمان والصبر والاحتساب لله تعالى والقضاء والقدر وكانت أمثلته من جهاد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وجهاد آل بيته عليهم السلام وجهاد الصحابة المنتجبين رضي الله تعالى عنهم ، وجهاد رجال المقاومة الوطنية رحمهم الله . كان كلما جلس في مكان واجتمع حوله اثنان أو ثلاثة لم يترك لهم فرصة للغو والكلام الذي لا يرجى منه نفع فيبادرهم بدرس أو سرد واقعة فيها عبرة أو شرح آية إلخ . ومن أطرف ما يذكر عن الإمام في هذا الموضوع ما يرويه المجاهد الميلود بالقندوز من عين الحجر. يقول أنه حضر يوما درسا من دروس الإمام عبد الحميد، وكان موضوعه القضاء والقدر . وبينما كان الإمام يلقي درسه .يقول سي الميلود بالقندوز تكلمت خارج الدرس فصفعني صفعة دمعت لها عيني ،ولم أقل شيئا .وبعد انتهاد الدرس ،ناداني الإمام وقال لي :أتعرف لماذا صفعتك؟ فقلت له :نعم .فقال لي إن هذا الدرس الذي تأخذه أنت بلا مقابل تغربت أنا من أجله السنين وكنت أدفع مقابل تعلمه الثمن الباهظ".

استشهاده:

كان ذلك في اليوم التاسع من شهر يونيو 1959 . جاءت معلومات عن تحركات قوات للعدو الفرنسي< مؤلفة من دبابات ومجنزرات تصحبها طائرات نحو المنطقة القربية من جبل قطيان .وكان الإمام رفقة تسعة من الجنود المسلحين اقترب منهم العدو وأخذ يطاردهم وهم يردون عليه حتى قضى على أكثرهم ،وظل الإمام يواجه العدو مقبلا غير مدبر ،حتى استشهد وفاضت روحه الطاهرة إلى ربها راضية مرضية .لقد وفقه الله إلى الشهادة كما كان يطلبها دائما ويؤكد لرفقائه أن لا يولوا العدو أدبارهم أبدا وعليهم أن يواجهوا العدو بصدورهم حتى الشهادة مصداقا لقوله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" ( الآية الأنفال وقد دفن حيث استشهد رفقة الجنود الذين كانوا معه ولم ينج منهم إلا المجاهد عصار عمار الذي توفي منذ أشهر. وما إن بلغ خبر استشهاد الشيخ الإمام عبد الحميد قيادة القوات الفرنسية بمركز "برقنوس "برأس الماء ،حتى سارعت إلى نشره بالمنطقة كلها ،للتعبير عن انتقامها من المجاهدين وإظهار التشفي والشماتة ، وبث الرعب والخوف في الأوساط الشعبية .كان ذلك فعلها كلما تمكنت من أسر أو قتل مجاهد ؛ ومازلت أذكر مساء ذلك اليوم الذي فاجأ فيه قائد قوات العدو الشيخ سيدي محمد الصديق حيث قدم بسيارة جيبت " وبسياقة جنونية دار عدة دورات حول البيت مثيرا فينا الرعب والفزع ثم توقف أمام الشيخ سيدي محمد الصديق .و في يده صورة للشهيد ملطخة بالدماء .كان منظرها مرعبا للغاية ! وبعنجهية وغطرسة رمى الصورة أمام الشيخ قائلا :هذا مصير كل الفلاقة ،لن يفلت منا أحد،سنأتي بهم أين ما كانوا ،ثم انصرف.